Friday, March 8, 2013

وجوب تفضيل الصحابة وحرمة سبهم رضي الله عنهم



لفظ "صحابة" هي جمع لـ"صحابي". وقال أحمد الفيومي: [ص ح ب: صَحِبْتُهُ أَصْحَبُهُ صُحْبَةً فَأَنَا صَاحِبٌ وَالْجَمْعُ صَحْبٌ وَأَصْحَابٌ وَصَحَابَةٌ].[1] وأما الصحابي لغة فهو مشتق من الصُّحبة. وهذا يصدق على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا.[2] وأما صحابي اصطلاحا فقال البخاري: [من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه].[3] فقد وافق هذا الاصطلاح المتكلمون من الأشاعرة حيث قال الصاوي: [والصحابي كل من اجتمع به بعد البعثة مؤمنا ولو لم تطل صحبته ولو كان غير مميز فشمل الصبيان الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم].[4]
وأما أدلة فضائل الصحابة فكثيرة جدا. وفمثلا القرآن الكريم يذكر على عدالتهم رضي الله عنه: ﭑ ﭒ ﭓ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ     ﭚ ﭛ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ  ﭫ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ .[5] وقال تعالى أيضا: ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ       .[6]
وأما أدلة عدالتهم رضي الله عنهم من السنة النبوية فهي كثيرة جدا. ومنها: رواية الترمذي عن عبد الله بن مغفل: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ].[7] ومنها أيضا إثبات النبي صلى الله عليه وسلم بأن خير القرون قرن الصحابة رضي الله عنهم ثم التابعين ثم تابع التابعين. قد ورد في الصحيحين: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ].[8] بناء على هذا، فيجب علينا أن نفضل الصحابة رضي الله عنهم من سائر المسلمين ولا يجوز السب عليهم.
فلا يجوز لأحد أن يطعن فيهم خشية أن يخالف الكتاب والسنة اللذين نصا على عدالتهم. فبعد تعديل الله تعالى ورسوله لهم لا يحتاج أحد منهم إلى تعديل أحد, على أنه لو لم يرد من الله تعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام شيء في تعديلهم لوجب تعديلهم لما كانوا عليه من دعم الدين والدفاع عنه, ومناصرتهم للرسول والهجرة إليه, والجهاد بين يديه, وبذل المهج والأموال, والمحافظة على أمور الدين, والقيام بحدوده ومراسيمه, والتشدد في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه, حتى أنهم قتلوا أقرب الناس إليهم, ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم في سبيل الله, وإقامة دعائم الإسلام. كل ذلك دليل على قوى إيمانهم, وحسن إسلامهم, وأمانتهم وإخلاصهم.[9] والدليل على حرمة سب الصحابة رضي الله عنهم رواية متفق عليها: [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ].[10]
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم لهذا الحديث: [واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب، متأولون كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح. قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر، ولا يقتل. وقال بعض المالكية: يقتل].[11] وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين والاجتهاد يخطئ ويصيب ولكن صاحبه معذور إن أخطأ ومأجور أيضا. وأما المصيب فله أجران اثنان.[12]
قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا ، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا ، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا].[13] وقال أبو نعيم رحمه الله: [فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر زلاتهم ونشر محاسنهم ومناقبهم وصرف أمورهم إلى أجل الوجوه من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ    ﭘ   ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ [14]].[15] ويقول أيضا في تعليقه على الحديث المشار إليه: [لم يأمرهم بالإمساك عن ذكر محاسنهم وفضائلهم إنما أمروا بالإمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط منهم في ثورة الغضب وعارض الموجدة].[16] إذاً فالإمساك المشار إليه في الحديث الشريف إمساك مخصوص يقصد به عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلافات على سبيل التوسع وتتبع التفصيلات ونشر ذلك بين العامة أو التعرض لهم بالتنقص لفئة والانتصار لأخرى.[17]
وللأسف وصلت هذه العدوى إلى بعض الإسلاميين، حتى أن بعضهم يجمع الغث والثمين من الروايات حول الفتنة التي بين الصحابة ثم يبني أحكامه دون الاسترشاد بأقوال الأئمة الأعلام وتحقيقاتهم، من أجل ذلك أردت أن أشير إلى بعض الأسس والتوجيهات التي ينبغي أن يعرفها الباحث إذا اقتضت الحاجة أن يبحث فيما شجر بينهم رضي الله عنهم.[18]
هناك بعض الناس الذين يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة ويسلكون بمذهب الأشعري قد يخالفون عقيدة الأشعري نفسها في هذه المسألة. فمثلا قال عبد الله الهرري مؤسس فرقة الأحباش: [ثم ليعلم أن معاوية كان قصده من هذا القتال (قتال علي رضي الله عنه) الدنيا، فلقد كان به الطمع في الملك وفرط الغرام في الرئاسة، فلما وصل إلى الخلافة كفّ عن المطالبة بدم عثمان، وهو ما اتخذه حجة للخروج على عليّ وقتاله اهـ].[19] وقال أيضا: [إن معاوية وجيشه غير ءاثمين مع الاعتراف بأنهم بغاة. وأما من قال إنهم مأجورون فأبعد من الحق اهـ].[20] وقال أيضا: [وكذلك كان يقول في حرب معاوية إنه كان باجتهاد منه وإن ذلك كان خطئا وباطلا ومنكرا وبغيا على معنى أنه خروج عن إمام عادل اهـ].[21] وقال أيضا: [ولا نعتقد نحن الصحابي منهم فسق فسقا يمنع قبول روايته للحديث بل نعتقد أنهم كغيرهم ءاثمون بلا استثناء اهـ].[22]
وهذه الأقوال تخالف ما قالوا به الأئمة الأشعرية نفسهم. وقال الإمام أحمد بن محمد المالكي الصاوي وهو معروف بأشعريته: [اصرف التخاصم عن ظاهره وجوبا الذي ورد عنهم بالسند المتصل، متواترا كان أو لا، مشهورا كان أو لا؛ حيث كان سنده صحيحا. وإلا فهو مردود لذاته لا يحتاج إلى تأويل. والمراد أنه يصرفه إلى محمل حسن حيث كان ممكنا، فإن لم يمكن تأويله وقفنا؛ لاعتقادنا حفظهم مما يوجب الفسق لأنهم مجتهدون اهـ].[23] وقال أيضا: [إن قدّر ذلك لأن التفتيش عما جرى بينهم ليس من العقائد الدينية، ولا مما يُنتفع به في الدين بل ربما ضر في اليقين، فلا يباح الخوض فيه إلا للتعليم أو للرد على المتعصبين وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لفرط جهلهم وعدم معرفتهم للتأويل اهـ].
فالحاصل تفضيل الصحابة رضي الله عنهم والإجتناب عن التساهل بسب الصحابة رضي الله عنهم. ولا يجوز أن نقول بأن معاوية رضي الله عنه مثلا أو غيره بالفسق أو غيره لأنهم كلهم مجتهدون. وسب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، ومذهب الجمهور أن سابا يعزر. اللهم اغفر لهم وارحمهم واجعلنا معهم في الجنة. آمين. والله أعلم بالصواب.


[1] أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (بيروت: المكتبة العلمية، عدم السنة)، 333.
[2] مناع القطان، مباحث في علوم الحديث (القاهرة: مكتبة وهبة، 2007م)، 57.
[3] محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق: محب الدين الخطيب وزملاء (القاهرة: المكتبة السلفية، 1400هـ)، ج 3، 5.
[4] أحمد بن محمد المالكي الصاوي، شرح الصاوي على جوهرة التوحيد، تحقيق: عبد الفتاح البزم (دمشق: دار ابن كثير، 2007م)، 315.
[5] سورة الفتح أية 29.
[6] سورة الأنفال أية 74.
[7] محمد بن عيسى الترمذي، الجامع الكبير، تحقيق: بشار عواد معروف (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1996م)، ج 6، 169.
[8] البخاري، الجامع، ج 3، 6. وقد روى مسلم في صحيحه بلفظ أخر: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: نظر محمد الفاريابي (الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع، 2006م)، 1178.
[9] محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث علومه ومصطلحه (بيروت: دار الفكر، 1998م)، 264؛
[10] البخاري، الجامع، ج 3، 12؛ مسلم ، صحيح مسلم، 1181.
[11] يحيى بين شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم (القاهرة: المطبعة المصرية الأزهرية، 1930م) ج 16، 93.
[12] القطان، مباحث، 59.
[13] سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، حمدي عبد المجيد السلفي (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، عدم السنة)، ج 2، 96؛ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (بيروت: دار الكتب العلمية، 1988م)، ج 4، 108.
[14] سورة الحشر أية 10.
[15] محمد بن عبد الله الوهيبي، اعتقاد أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم (الرياض: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1426هـ)، 49.
[16] نفس المصدر نفس المكان.
[17] نفس المصدر نفس المكان.
[18] نفس المصدر نفس المكان.
[19] عبد الله الهرري الحبشي، صريح البيان في الرد على من خالف القرآن (بيروت: دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع، 1995م)، 220.
[20] نفس المصدر، 216.
[21] نفس المصدر، 215.
[22] نفس المصدر، 217.
[23] الصاوي، شرح الصاوي، 329.

No comments: